الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القواعد الفقهية ***
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ جُزْءٌ فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَوْقُوفَةُ وَلَدًا فَهَلْ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَثَمَرِ الشَّجَرَةِ أَوْ يَكُونُ وَقْفًا مَعَهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ وَقْفٌ مَعَهَا لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَلِهَذَا يَصِحُّ وَقْفُهُ ابْتِدَاءَ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَلَدَتْ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا فَإِنْ قُلْنَا الْوَلَدُ كَسْبٌ فَكُلُّهُ لِصَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ جُزْءٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ لَهُمْ دُونَ الْمَنَافِعِ. (وَمِنْهَا) هَلْ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أُمَّهُ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ كَالصَّحِيحَةِ؟ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ جُزْءٌ مِنْهَا تَبِعَهَا. وَإِنْ قُلْنَا هُوَ كَسْبٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى سَلَامَةِ الِاكْتِسَابِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ.
فِيهِ خِلَافٌ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ: (وَمِنْهَا) الْمَاءُ الَّذِي اُسْتُهْلِكَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا سَقَطَ حُكْمُهَا بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَرِوَايَتَانِ ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا سَقَطَ حُكْمُهَا وَإِلَّا فَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بَلْ الْمَاءُ أَحَالَهَا لِأَنَّ لَهُ قُوَّةَ الْإِحَالَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا وُجُودٌ بَلْ الْمَوْجُودُ غَيْرُهَا فَهُوَ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ. (وَمِنْهَا) اللَّبَنُ الْمَشُوبُ بِالْمَاءِ الْمُنْغَمِرِ فِيهِ هَلْ يَثْبُتُ بِهِ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَثْبُتُ. وَالثَّانِي: لَا وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يُحَرَّمُ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ كُلَّهُ وَلَوْ فِي دَفْعَاتٍ وَيَكُونُ رَضْعَةً وَاحِدَةً ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ خَلَطَ خَمْرًا بِمَاءٍ وَاسْتُهْلِكَ فِيهِ ثُمَّ شَرِبَهُ لَمْ يُحَدَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَوَاءٌ قِيلَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ لَا. وَفِي التَّنْبِيهِ لِأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ لَتَّ بِالْخَمْرِ سَوِيقًا أَوْ صَبَّهَا فِي لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ جَارٍ ثُمَّ شَرِبَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يُسْتَهْلَكَ أَوْ لَا يُسْتَهْلَكُ. (وَمِنْهَا) لَوْ خَلَطَ زَيْتَهُ بِزَيْتِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ فَهَلْ هُوَ اسْتِهْلَاكٌ بِحَيْثُ يَجِبُ لِصَاحِبِهِ عِوَضُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ أَوْ هُوَ اشْتِرَاكٌ. فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ الْمَنْصُوصُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْحَارِثِ أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَاخْتَارَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُخْتَلَطُ غَصْبًا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ هَذَا قَدْ اخْتَلَطَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهُ كُلَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَنْ قَالَ يُخْرِجُ مِنْهُ قَدْرَ مَا خَالَطَهُ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُنُونِهِ التَّحْرِيمَ لِامْتِزَاجِ الْحَلَالِ بِالْحَرَامِ وَاسْتِحَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَامِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا قِسْمَةٌ فَلَا يَجُوزُ بِدُونِ رِضَا الشَّرِيكَيْنِ، لَكِنْ لِأَصْحَابِنَا وَجْهٌ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمُشْتَرَكِ أَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الِانْفِرَادَ بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الدَّرَاهِمِ، وَمَنَعَهُ الْقَاضِي لَكِنَّهُ قَالَ فِي خِلَافِهِ إنْ كَانَ الْحَقُّ فِي الْقَدْرِ الْمُخْتَلَطِ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ بِدُونِ إذْنِهِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَاَلَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُ مَالِكِهِ وَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهِ، فَلِلْمَالِكِ الِاسْتِبْدَادُ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اشْتِرَاكٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ يُخْرِجُ الْعِوَضَ مِنْهُ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ [أَنْ] يُخْرِجَ بَدَلَهُ عِوَضًا مِنْهُ وَكَذَا سَاقَهُ الْمَرُّوذِيّ فِي كِتَابِ الْوَرَعِ لَهُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ يُعْطَى الْعِوَضَ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّهُ يُخْرِجُ الْعِوَضَ مِنْ نَفْسِ الْمُخْتَلَطِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرِكَةٌ وَأَنَّ لَهُ الِاسْتِبْدَادَ بِقِسْمَةِ ذَلِكَ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَصَّى لَهُ بِرِطْلٍ مِنْ زَيْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَلَطَهُ بِزَيْتٍ [آخَرَ] فَإِنْ قُلْنَا هُوَ اشْتِرَاكٌ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ اسْتِهْلَاكٌ بَطَلَتْ. (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا فَاسْتَهْلَكَ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ أَكَلَهُ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَحْنَثُ وَلَمْ يُخَرِّجُوا فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَلَمْ يَقْصِدْ الِامْتِنَاعَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ يُخَرَّجُ فِيهِ وَجْهٌ بِالْحِنْثِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمَائِعَاتِ وَالْأَدِقَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَخْتَلِطُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ بِبَعْضٍ، فَأَمَّا الْحُبُوبُ وَالدَّرَاهِمُ وَنَحْوُهَا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَائِعَاتِ فِيمَا سَبَقَ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ: [مِنْهَا] لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ عَلَى وَجْهَيْنِ اخْتَارَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ الِانْفِسَاخَ وَفِي الْمُجَرَّدِ عَدَمَهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً فَأَكَلَ شَعِيرًا فِيهِ حَبَّاتِ حِنْطَةٍ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ وَغَلَّطَهُ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَقَالَ يَحْنَثُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْحَبَّ مُتَمَيِّزٌ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بِخِلَافِ مَا لَوْ طُحِنَتْ الْحِنْطَةُ بِمَا فِيهَا فَاسْتُهْلِكَتْ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ. (وَمِنْهَا) لَوْ اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُهُ بِدَرَاهِمَ مَغْصُوبَةٍ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَلِيلَةً كَثَلَاثَةٍ فِيهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْهَا حَتَّى يَعْلَمَ وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً كَثَلَاثِينَ فِيهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْهَا دِرْهَمًا [وَاحِدًا] وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَاقِي وَلَهُ نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْكَثِيرَ يُجْحِفُ بِمَالِهِ إخْرَاجَهُ وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ يُخْرِجُ هَذَا قَدْرَ الْحَرَام مِنْ الْقَلِيلِ كَالثَّلَاثَةِ إنْكَارًا [شَدِيدًا] وَأَمَّا الْقَاضِي فَتَأَوَّلَ كَلَامَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ الْحَلَالُ بَعْدَ تَنَاوُلِ الْحَرَام وَشَقَّ التَّوَرُّعُ عَنْ الْجَمِيعِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ. قَالَ وَالْوَاجِبُ فِي الْجَمِيعِ إخْرَاجُ قَدْرِ الْحَرَام، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فُصُولِهِ وَخَالَفَ فِي الْفُنُونِ وَقَالَ يُحَرَّمُ الْجَمِيعَ. (وَمِنْهَا) لَوْ خَلَطَ الْوَدِيعَةَ وَهِيَ دَرَاهِمُ بِمَالِهِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَالْمَشْهُورُ الضَّمَانُ لِعُدْوَانِهِ حَيْثُ فَوَّتَ تَحْصِيلَهَا وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِأَعْيَانِهَا بَلْ بِمِقْدَارِهَا وَرُبَمَا كَانَ خَلْطُهَا [مَعَ مَالِهِ] أَحْفَظَ لَهَا وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِذَا تَلِفَ بَعْضُ الْمُخْتَلَطِ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ جَعَلَ التَّالِفَ كُلَّهُ مِنْ مَالِهِ وَجَعَلَ الْبَاقِيَ مِنْ الْوَدِيعَةِ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَصْلَ أَمَانَةٌ بَقَاؤُهَا وَوُجُوبُ تَسْلِيمِهَا وَلَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَ ذَلِكَ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ مَاتَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَجُهِلَ بَقَاؤُهَا إنَّهَا تَكُونُ دَيْنًا عَلَى التَّرِكَةِ وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الضَّمَانِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْخَلْطَ كَانَ عُدْوَانًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عِنْدَهُمَا إلَّا مَعَ التَّعَدِّي وَلَوْ اخْتَلَطَتْ الْوَدِيعَةُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ثُمَّ ضَاعَ الْبَعْضُ جُعِلَ مِنْ مَالِ الْمُودَعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي الْخِلَافِ أَنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ وَلَا يَبْعُدُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ مِنْهُمَا وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ فِيمَنْ مَعَهُ دِينَارٌ أَمَانَةٌ لِغَيْرِهِ فَسَقَطَ مِنْهُ مَعَ دِينَارٍ لَهُ فِي رَحَى فَدَارَتْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَقَصَا وَكَانَ نَقْصُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ نَقْصِ الْآخَرِ وَلَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا لَهُ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فَيَدْفَعُ إلَى صَاحِبِ الْأَمَانَةِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الثَّقِيلَ لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الظَّاهِرِ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا نَوْعَانِ: (أَحَدُهُمَا): أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ إذْنًا مُجَرَّدًا وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ صُوَرٌ: (مِنْهَا) وَضْعُ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ جَاره إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ وَفِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَبَاهُ. (وَمِنْهَا) حَجُّ الزَّوْجَةِ الْفَرْضَ وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا فَعَلَى هَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِذْنِ لَهَا وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ اسْتِئْذَانَهَا لَهُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. (وَمِنْهَا) إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْعَبْدِ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ؟ حَكَى الْأَصْحَابُ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ السَّيِّدُ. وَالثَّانِيَةُ تَجِبُ بِدُونِ إذْنِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَإِلَّا خَالَفَهُ وَذَهَبَ. (وَمِنْهَا) أَخْذُ فَاضِلِ الْكَلَأِ وَالْمَاءِ مِنْ أَرْضِهِ هَلْ يَقِفُ جَوَازُ الدُّخُولِ إلَى الْأَرْضِ عَلَى إذْنِهِ أَمْ يَجُوزُ بِدُونِ إذْنِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الرَّعْيِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَحُوطِ [فَأَمَّا الْمَحُوطُ] فَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ وَمَتَى تَعَذَّرَ الِاسْتِئْذَانُ لِغَيْبَةِ الْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ اسْتَأْذَنَ فَلَمْ يَأْذَنْ سَقَطَ إذْنُهُ كَمَا فِي الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَنَقَلَ مُثَنَّى الْأَنْبَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ مَا يُشْعِرُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الدُّخُولِ لِلْمَاءِ وَالْكَلَأِ فَيَتَعَيَّنُ الِاسْتِئْذَانُ لِلدُّخُولِ لِلْكَلَأِ دُونَ الْمَاءِ. (وَمِنْهَا) بَذْلُ الضِّيَافَةِ الْوَاجِبَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهَا جَازَ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ نَقَلَهَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ وَنَقَلَ عَنْهُ حَنْبَلٌ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِعِلْمِهِمْ وَيُطَالِبُهُمْ بِقَدْرِ حَقِّهِ. (وَمِنْهَا) نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْوَاجِبَةُ. (وَمِنْهَا) الطَّعَامُ الَّذِي يَضْطَرُّ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لَهُ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ أَبَى فَلِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْرًا وَإِنَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْإِذْنِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يُؤَدِّي إلَى مَشَقَّةٍ وَحَرَجٍ وَرُبَمَا أَدَّى إلَى فَوَاتِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ. (النَّوْعُ الثَّانِي): أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَصَرُّفًا لِعَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ صُوَرٌ: (مِنْهَا) إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْقِسْمَةَ الَّتِي تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ مِثْلِيًّا وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَامْتَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْقِسْمَةِ أَوْ غَابَ فَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا): الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ. (وَالثَّانِي): الْمَنْعُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهَا بَيْعًا وَإِذْنُ الْحَاكِمِ يَرْفَعُ النِّزَاعَ. (وَمِنْهَا) إذَا امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ الرَّهْنِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُهُ عَلَيْهِ وَيَحْبِسُهُ فَإِنْ أَصَرَّ بَاعَ عَلَيْهِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَقُولُ الْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَجْبَرَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ شَاءَ بَاعَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُغْنِي. (وَمِنْهَا) إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى بَهَائِمِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ الْبَيْعِ كَذَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ الزاغوني إنْ أَبَى بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. (وَمِنْهَا) الْمَوْلِيّ إذَا وُقِّفَ ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ طَلَّقَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ بِالْحَبْسِ وَالتَّضْيِيقِ. (وَالثَّانِيَةُ): يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. (وَمِنْهَا) الْعِنِّينُ إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ وَتُحُقِّقَ عَجْزُهُ وَأَبَى أَنْ يُفَارِقَ زَوْجَتَهُ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا. (وَمِنْهَا) إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيِّ يُعْتِقُهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ وَلَكِنْ يُعْتِقُهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ لِأَنَّ عِتْقَهُ صَارَ مُحَتَّمًا لَا مَحَالَةَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِخِلَافِ طَلَاقِ الْمُولِي فَإِنَّهُ لَوْ فَاءَ لَمْ يُطَالَبْ بِالطَّلَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ السُّلْطَانَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الْعِتْقِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَفِيهِ بُعْدٌ. (وَمِنْهَا) الْمُوصَى بِعِتْقِهِ إذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ مِنْ إعْتَاقِهِ أَعْتَقَهُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ. (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَقُلْنَا يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ فَأَبَى أَنْ يُعْتِقَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ رِوَايَتَانِ: (إحْدَاهُمَا) وَنَصَّ عَلَيْهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْفَسْخَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ. (وَالثَّانِي): أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى عِتْقِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ [تَعَالَى فَعَلَى] هَذَا إذَا امْتَنَعَ وَأَصَرَّ تَوَجَّهَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. (وَمِنْهَا) الْحَوَالَةُ عَلَى الْمَلِيءِ هَلْ يُعْتَبَرُ لِبَرَاءَةِ الْمُحِيلِ رِضَا الْمُحَالِ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ احْتِيَالَهُ عَلَى الْمَلِيءِ وَاجِبٌ عِنْدَنَا أَوْ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ هَلْ هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ أَوْ تَقْبِيضٌ فَإِنْ قُلْنَا نَقْلًا لَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا قَبُولٌ. وَإِنْ كَانَتْ تَقْبِيضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ وَهُوَ قَوْلُهَا فَيُجْبَرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ. (وَمِنْهَا) الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّزْوِيجِ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ وَيَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَوْ لَا فَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَبَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَعَزَّرَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَخْتَارَ. وَلَمْ يَخْتَرْ لَهُ إذْ الِاخْتِيَارُ مَوْكُولٌ إلَى شَهْوَتِهِ وَغَرَضِهِ لَا غَيْرَ [. (وَمِنْهَا) الْكِتَابَةُ إذَا أَوْجَبْنَاهَا بِسُؤَالِ الْعَبْدِ فَأَبَى السَّيِّدُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا]. (وَمِنْهَا) إذَا أَتَاهُ الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ قَبْضُهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبِضَهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ لِقِيَامِ الْحَاكِمِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِوِلَايَتِهِ. وَلَوْ أَتَاهُ الْكَفِيلُ بِالْغَرِيمِ فَأَبَى أَنْ يَتَسَلَّمَهُ فَقَالَ فِي الْمُغْنِي يُشْهِدُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَيَبْرَأُ لِوُجُودِ الْإِحْضَارِ. وَذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَرْفَعُهُ إلَى الْحَاكِمِ أَوَّلًا لِيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَشْهَدَ عَلَى امْتِنَاعِهِ.
وَيَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ: (مِنْهَا) لَوْ بَادَرَ الْغَالُّ قَبْلَ إحْرَاقِ رَحْلِهِ وَبَاعَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُغْنِي: (أَحَدُهُمَا) يَصِحُّ لِأَنَّ مِلْكَهُ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ وَيَسْقُطُ التَّحْرِيقُ لِانْتِقَالِهِ عَنْهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ وَانْتَقَلَ إلَى وَارِثِهِ. (وَالثَّانِي): يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُحَرَّقُ لِأَنَّ حَقَّ التَّحْرِيقِ أَسْبَقُ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَالِ عُقُوبَةٌ لِمَالِكِهِ عَلَى جَرِيمَتِهِ السَّابِقَةِ. (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِالشُّفْعَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا): أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. (وَالثَّانِي): أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ أَخْذَ الشَّفِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مُمْكِنٌ فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ فَعَلَ وَإِلَّا فُسِخَ الْبَيْعُ الثَّانِي وَأُخِذَ مِنْ الْأَوَّلِ لِسَبْقِ حَقِّهِ عَلَيْهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أُمِرَ الذِّمِّيُّ بِهَدْمِ بِنَائِهِ الْعَالِي فَبَادَرَ وَبَاعَ مِنْ مُسْلِمٍ صَحَّ وَسَقَطَ الْهَدْمُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْهَدْمُ إلَّا لِإِزَالَةِ ضَرَرِ اسْتِدَامَةِ تَعْلِيَةِ الذِّمِّيِّ لَا عُقُوبَةَ لِلتَّعْلِيَةِ الْمَاضِيَةِ وَقَدْ زَالَ الضَّرَرُ بِانْتِقَالِهِ إلَى الْمُسْلِمِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَادَرَ الْمَالِكُ وَأَسْلَمَ فَإِنَّ الْهَدْمَ يَسْقُطُ بِلَا تَرَدُّدٍ. (وَمِنْهَا) لَوْ مَالَ جِدَارُهُ إلَى مِلْكِ جَارِهِ فَطُولِبَ بِهَدْمِهِ فَبَاعَ دَارِهِ صَحَّ وَهَلْ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِالسُّقُوطِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ التَّضْمِينِ أَمْ لَا. قَالَ الْقَاضِي يَسْقُطُ لِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنْ قَصَدَ بِبَيْعِهِ الْفِرَارَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهَدْمِهِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ لِانْعِقَادِ سَبَبِهِ فِي مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ سَهْمًا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ كَبِدِ الْقَوْسِ فَإِنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا يُتْلِفُهُ قَالَ وَكَذَا لَوْ بَاعَ فَخًّا أَوْ شَبَكَةً مَنْصُوبَتَيْنِ فَوَقَعَ فِيهِمَا صَيْدٌ فِي الْحَرَمِ أَوْ مَمْلُوكٌ لِلْغَيْرِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ ضَمَانُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ مِلْكَهُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَتِهِ ثُمَّ سَقَطَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. لِأَنَّ خُرُوجَهُ إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ حَصَلَ بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ مَيْلِ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ عَلَى وَجْهٍ مُمْكِنٍ وَلَا يُمْكِنُهُ نَقْضُهُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ ثُمَّ بَاعَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ وَصَحَّحَ عَدَمَ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يَتَسَلْسَلُ وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مُتَرَتِّبٍ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ هَلْ هُوَ لِلَّهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ أَبَاهُ أَوْ لِلْبَائِعِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَالْمَنْذُورِ عِتْقُهُ وَعَلَى الثَّانِي يَسْقُطُ الْفَسْخُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَنْقُصُ بِهِ الثَّمَنُ عَادَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْفَسْخُ لِسَبْقِ حَقِّهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ لَزِمَهُ افْتِدَاؤُهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فُسِخَ الْبَيْعُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِسَبْقِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ مَعَ اسْتِغْرَاقِهَا بِالدَّيْنِ مُلْتَزِمًا لِضَمَانِهِ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ وَفَائِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ. (وَمِنْهَا) لَوْ بَاعَ نِصَابَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْوُجُوبِ ثُمَّ أَعْسَرَ فَهَلْ يُفْسَخُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ هَلْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِعَيْنِ الْمَالِ أَوْ بِذِمَّةِ رَبِّهِ؟ فَإِنْ قِيلَ بِعَيْنِ الْمَالِ فُسِخَ الْبَيْعِ لِاسْتِيفَائِهَا مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا.
فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَهَا صُوَرٌ: (مِنْهَا) أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ مِلْكُ أَمَةٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَمَعَهَا وَلَدٌ فَهَلْ يَتْبَعُهَا فِي الْمِلْكِ إذَا ادَّعَاهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا): لَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا فِي بَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهَا. (وَالثَّانِي): وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا وَقَدْ ثَبَتَ سَبْقُ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ لِلْيَدِ الْمُشَاهَدَةِ فَتَكُونُ مُرَجَّحَةً عَلَيْهَا، وَيُشْبِهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَا إذَا ادَّعَى أَمَةً فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَأَنَّ وَلَدَهَا مِنْهُ [حُرٌّ] وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا وَثَبَتَ اسْتِيلَادُهَا بِإِقْرَارِهِ وَفِي الْوَلَدِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ: (إحْدَاهُمَا) يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَحُرِّيَّتُهُ لِكَوْنِهِ مِنْ نَمَائِهَا فَيَتْبَعُهَا وَيَكُونُ ثُبُوتُ ذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْبَيِّنَةِ. (وَالثَّانِيَة) لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ يُثْبِتُ النَّسَبَ دُونَ الْحُرِّيَّةِ وَتَبْقَى [صِحَّةُ] الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ نَسَبِ الْعَبْدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. (وَمِنْهَا) لَوْ ثَبَتَ لَهُ مِلْكُ أَرْضٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَفِيهَا شَجَرٌ قَائِمٌ فَهَلْ يَتْبَعُهَا أَمْ لَا؟ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّجَرَ هَلْ يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ أَمْ لَا وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ مِنْ الشَّجَرِ فَيَدُ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَأْتِ حُجَّةٌ تَدْفَعُ مُوجِبَ الْيَدِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْغَارِسُ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ غَرَسَهُ بِمَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الرَّهْنِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَرَاهِنَانِ فِي رَهِينَةِ الشَّجَرِ فِي الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَالِكِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي عَقْدٍ وَالْيَدُ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي مِلْكٍ وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِأَنَّ مَا فِي دَارِ الْإِنْسَانِ يَكُونُ فِي يَدِهِ وَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا مَنْقُولًا وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْمُبَاحَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي أَرْضِهِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهَا فِي الْأَرْضِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَرْضَ هَلْ هِيَ كَالْيَدِ أَمْ لَا فَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ لَهُ وَعَلَيْهَا ثَمَرٌ فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُحْكَمُ لَهُ بِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الثَّمَرُ بِيَدِ رَجُلٍ وَتَبَيَّنَ سَبْقُ مِلْكِ الشَّجَرَةِ لِغَيْرِهِ حُكِمَ لَهُ بِالثَّمَرَةِ لِثُبُوتِ سَبْقِ مِلْكِهِ عَلَى أَخْذِ غَيْرِهِ لِلثَّمَرَةِ وَ [يَتَخَرَّجُ] فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ كَالْوَلَدِ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. (وَمِنْهَا) لَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكٌ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَعَلَى الْعَبْدِ ثِيَابٌ فَادَّعَاهَا مِنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ. فَقَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَالتَّرْغِيبِ هِيَ لَهُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْعَبْدِ وَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا): أَنَّ مَا يَتْبَعُ الْعَبْدَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْبَيْعِ يَتْبَعُهُ هَاهُنَا وَمَا لَا فَلَا. (وَالثَّانِي): إنْ تَطَاوَلَتْ مُدَّةُ هَذِهِ الْيَدِ بِحَيْثُ تُبْلَى فِيهَا ثِيَابُ الْعَبْدِ عَادَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَلَا إلْحَاقًا لَهَا بِالْعَيْبِ الْمُتَنَازَعِ فِي حُدُوثِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْحَالُ إلَّا قَوْلَ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ تَنَازَعَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَا يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ لِلْمُؤَجِّرِ وَمَا لَا يَتْبَعُ إنْ كَانَتْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْمَنَازِلِ فَفِيهِ خِلَافٌ. وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لِلْمُؤَجِّرِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْوَجْهَانِ لَوْ تَنَازَعَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي كَنْزٍ مَدْفُونٍ فِي الْأَرْضِ وَهَلْ الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ بَقَاءِ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمْ لَا. صَرَّحَ فِي التَّلْخِيصِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي صُورَةِ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ وَانْقِضَائِهَا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَسْأَلَةُ الْمَالِ الْمَدْفُونِ إذَا ادَّعَاهُ مَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ وَوَصَفَهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ جَازَ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَزَوَالِهَا فِي أَحَدِ الطَّرِيقِينَ لِلْأَصْحَابِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَظْرُوفٍ فِي ظَرْفٍ كَتَمْرٍ فِي جِرَابٍ أَوْ كَسَيْفٍ فِي قِرَابٍ أَوْ فَصٍّ فِي خَاتَمٍ أَوْ رَأْسٍ وَأَكَارِعَ فِي شَاةٍ أَوْ نَوًى فِي تَمْرٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْمَظْرُوفِ دُونَ ظَرْفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّ الظَّرْفَ غَيْرُ مُقِرٍّ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ دَابَّةٌ فِي إصْطَبْلٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي [هُوَ] مُقَرٌّ بِهِمَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فَائِدَةٌ لِذَلِكَ الظَّرْفِ. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ مَا يَتَّصِلُ بِظَرْفِهِ عَادَةً أَوْ خِلْقَةً فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهِ دُونَ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ عَادَةً وَيَحْتَمِلُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي تَابِعًا لِلْأَوَّلِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِهِ كَتَمْرٍ فِي جِرَابٍ أَوْ سَيْفٍ فِي قِرَابٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ كَنَوًى فِي تَمْرٍ وَرَأْسٍ فِي شَاةٍ وَأَمَّا إنْ قَالَ خَاتَمٌ فِيهِ فَصٍّ وَجِرَابٌ فِيهِ تَمْرٌ وَقِرَابٌ فِيهِ سَيْفٌ فَقِيلَ هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُطْلَقًا وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ خَاتَمٌ فِيهِ فَصٌّ إنَّهُ إقْرَارٌ بِهِمَا جَمِيعًا بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْخَاتَمِ يَدْخُلُ فِيهِ الْفَصُّ فَإِذَا وَصَفَهُ بِالْفَصِّ تُيُقِّنَ دُخُولُهُ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ نَعْلٌ لَهَا شِرَاكٌ أَوْ شَاةٌ عَلَيْهَا صُوفٌ أَوْ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي التَّلْخِيصِ لَوْ أَقَرَّ بِخَاتَمٍ ثُمَّ جَاءَ بِخَاتَمٍ فِيهِ فَصٌّ وَقَالَ مَا أَرَدْتُ الْفَصَّ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا دُخُولُهُ لِشُمُولِ الِاسْمِ وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ فَهَلْ يَدْخُلُ الْجَنِينُ فِي الْإِقْرَارِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) لَوْ صَالَ عَلَيْهِ حَيَوَانٌ آدَمِيٌّ أَوْ بَهِيمَةٌ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَوْ قَتَلَ حَيَوَانًا لِغَيْرِهِ فِي مَخْمَصَةٍ لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ ضَمِنَهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ صَالَ عَلَيْهِ صَيْدٌ فِي إحْرَامِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اُضْطُرَّ فَقَتَلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ لِيُحْيِيَ بِهِ نَفْسَهُ ضَمِنَهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ لِتَأَذِّيهِ بِالْقَمْلِ وَالْوَسَخِ فَدَاهُ لِأَنَّ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ وَلَوْ خَرَجَتْ فِي عَيْنِهِ شَعْرَةٌ فَقَلَعَهَا أَوْ نَزَلَ الشَّعْرُ عَلَى عَيْنَيْهِ الْقَلَهْذَمِ لَمْ يَفْدِهِ. (وَمِنْهَا) لَوْ أَشْرَفَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ فَأَلْقَى مَتَاعَ غَيْرِهِ لِيُخَفِّفَهَا ضَمِنَهُ وَلَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ مَتَاعُ غَيْرِهِ فَخَشِيَ أَنْ يُهْلِكَهُ فَدَفَعَهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَضْمَنْهُ. (وَمِنْهَا) لَوْ وَقَعَتْ بَيْضَةُ نَعَامَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ فِي الْحَرَمِ عَلَى [عَيْنِ] إنْسَانٍ فَدَفَعَهَا فَانْكَسَرَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ احْتَاجَ إلَى أَكْلِهَا لِمَخْمَصَةٍ. (وَمِنْهَا) لَوْ قَلَعَ شَوْكَ الْحَرَمِ لِأَذَاهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى إيقَادِ غُصْنِ شَجَرَةٍ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فِي جَوَازِ قَطْعِ الشَّوْكِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. (وَمِنْهَا) لَوْ نَجَّى غَرِيقًا فِي رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَقُلْنَا يُفْطِرُ بِهِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ ضَعْفٌ فِي نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَالْمَرِيضِ فِي قِيَاسِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفِدْيَةَ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِلْخَوْفِ عَلَى جَنِينَيْهِمَا، وَهَلْ يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ رِزْمِ إلَى الْإِفْطَارِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ دَفَعَ صَائِلًا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَوْ دَفَعَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ ضَمِنَهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزاغوني لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا. (وَمِنْهَا) لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ بِيَمِينٍ لِحَقِّ نَفْسِهِ فَحَلَفَ دَفْعًا لِلظُّلْمِ عَنْهُ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ غَيْرِهِ فَحَلَفَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَيْضًا لَا تَنْعَقِدُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا زَادَ الْإِمَامُ سَوْطًا فِي الْحَدِّ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ فَحَكَى أَبُو بَكْرٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: (أَحَدُهُمَا): يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ. (وَالثَّانِي): يَجِبُ نِصْفُهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الضَّمَانِ وَإِنَّمَا الْجِنَايَةُ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَأُسْنِدَ بِالضَّمَانِ إلَيْهَا. (وَمِنْهَا) لَوْ اقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي ثُمَّ جَرَحَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عُدْوَانًا وَجَبَ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُهَا. (وَمِنْهَا) لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَثْبَتَهُ وَلَمْ يُوحِهِ ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ رَمْيَةً غَيْرَ مُوحِيَةٍ وَمَاتَ مِنْ الْجُرْحَيْنِ وَجَبَ ضَمَانُ الصَّيْدِ كُلِّهِ مَجْرُوحًا بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يُعَلِّلُهُ بِأَنَّ رَمْيَ الثَّانِي انْفَرَدَ بِالْعُدْوَانِ فَاسْتَقَلَّ بِالضَّمَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّلُهُ بِأَنَّ رَمْيَهُ كَانَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَالُ الضَّمَانِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَجْهٌ آخَرُ بِأَنْ يَضْمَنَهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ مِمَّا قَبْلَهَا. (وَمِنْهَا) لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِمَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ فَزَادَ عَلَيْهَا أَوْ لِحَمْلِ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ فَزَادَ عَلَيْهِ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِكَمَالِ الْقِيمَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ وَجْهًا آخَرَ بِضَمَانِ النِّصْفِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَدِّ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ غَيْرُهُ فَتَلِفَتْ تَحْتَهُمَا. (وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَكَ مُحِلٌّ وَمُحْرِمٌ فِي جَرْحِ صَيْدٍ وَمَاتَ مِنْ الْجُرْحَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ ضَمَانُهُ كَامِلًا هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَمُهَنَّا وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ مُقْتَضَى الْفِقْهِ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ وَقَاسَهُ عَلَى مُشَارَكَةِ مَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي إتْلَافِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إذْ الْإِذْنُ هُنَاكَ مُنْتَفٍ وَهَاهُنَا مَوْجُودٌ نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْمُحِلُّ إعَانَةَ الْمُحْرِمِ وَمُسَاعَدَتَهُ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ تَوَجَّهَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ مَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بَعْدَ النِّدَاءِ. [(وَمِنْهَا) لَوْ اشْتَرَكَ فِي جَرْحِ آدَمِيٍّ مُقْتَصٌّ وَغَيْرُهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى شَرِيكِ الْمُقْتَصِّ كَمَالُ الدِّيَةِ وَنِصْفُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ]. (وَمِنْهَا) لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ دَفَعَهَا هُوَ وَأَجْنَبِيٌّ فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْغُرْمِ وَهُوَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إذْهَابَ الْبَكَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ بِهِ وَلَزِمَ الْأَجْنَبِيَّ نِصْفُ الْأَرْشِ، وَأَمَّا الزَّوْجُ فَأَرْشُ الْبَكَارَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْمَضْمُونُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُقَرِّرُهُ وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ كُلُّهُ عَلَى الزَّوْجِ بِهَذَا الْفِعْلِ مَعَ انْفِرَادِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَوْ اسْتَقَلَّ بِهَذَا الْفِعْلِ لَلَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةٍ مَنْصُوصَةٍ نَقَلَهَا مُهَنَّا أَيْضًا فَإِذَا كَانَ مُوجِبًا لِلْمَهْرِ ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يُقَرِّرَهُ أَوْلَى وَلَكِنْ فِي صُورَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِعْلِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الضَّمَانِ نَعَمْ يَتَخَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ هُنَا عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ الزَّوْجَ هُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَعَ نِصْفِ الْمَهْرِ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ الْبَكَارَة تَبَعًا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الْوَطْءِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ ضَمِنَهُ كَالْمُسْتَعِيرِ إذَا أَتْلَفَ خَمْلَ الْمِنْشَفَةِ مَثَلًا بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَأَيْضًا فَلَوْ وَجَبَ لِرَجُلٍ قِصَاصٌ عَلَى آخَرَ فِي نَفْسِهِ فَقَطَعَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ عُدْوَانًا ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ إتْلَافَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ إلَّا تَبَعًا لِإِتْلَافِ جُمْلَتِهِ لَا اسْتِقْلَالًا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْأَرْشَ كُلَّهُ أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إتْلَافِ هَذَا الْجُزْءِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ الْأَجْنَبِيُّ مُنْفَرِدًا بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَيُسْتَكْمَلُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ [وَلَوْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِالْمَنْجَنِيقِ فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَهُ فَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ ثُلُثَا دِيَتِهِ أَوْ كَمَالُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ]
فِيهِ وَجْهَانِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ صُوَرٌ: (مِنْهَا): الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ مَعَ الْإِطْلَاقِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَبِدُونِهِ بِمَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً فَإِذَا بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً فَهَلْ يَضْمَنُ بَقِيَّةَ ثَمَنِ الْمِثْلِ كُلِّهِ أَوْ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَمَّا يَتَغَابَنُ بِهِ عَادَةً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ ضَمَانَ بَقِيَّةِ ثَمَنِ الْمِثْلِ كُلِّهِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ فِي الثَّوْبِ يَجِبُ غَسْلُهَا وَلَا يُفْرَدُ هَاهُنَا مَا يُعْفَى عَنْهُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ مِنْهُ الْقَدْرَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ بِانْفِرَادِهِ فَقَدْ يَصِيرُ الْبَاقِي يَسِيرًا فَيَلْزَمُ الْعَفْوُ عَنْ الْكُلِّ وَكَذَلِكَ حُكْمُ ضَرْبِ الصَّبِيِّ مُعَلِّمُهُ أَوْ الْمَرْأَةِ زَوْجُهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَمَاتَا ضَمِنَ الدِّيَةَ كُلَّهَا وَلَوْ عُفِيَ عَنْ الْقَدْرِ الْمُبَاحِ بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجِبْ كَمَالُ الدِّيَةِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ تُرَدُّ إلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ حَيْثُ كَانَ التَّلَفُ تَوَلَّدَ مِنْ ضَرْبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فَأَوْجَبَ كَمَالَ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ سَوْطًا فَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهَا. (وَمِنْهَا) لَوْ أَكَلَ الْمُضَحِّي جَمِيعَ أُضْحِيَّتِهِ فَهَلْ يَلْزَمُ ضَمَانُ ثُلُثِهَا أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ أَوَّلًا بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِالثُّلُثِ كُلِّهِ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ. (وَمِنْهَا) لَوْ تَعَدَّى الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلِ مَوْضِعَ الْعَادَةِ فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ الْجَمِيعِ أَوْ الْقَدْرِ الْمُجَاوِزِ الْمُطَيَّمِ الْعَادَةِ وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ فِي مَوْضِعِ الْعَادَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَشْهَرُهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الْمُتَعَدَّى خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَاللَّمْشِ نَسَبَهُ إلَى نَصِّ أَحْمَدَ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْسَبُ فِيهِ إلَى تَفْرِيطٍ وَتَعَدٍّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُضَحِّي، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. (وَمِنْهَا) لَوْ أَدَّى زَكَاتَهُ إلَى وَاحِدٍ وَقُلْنَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَى ثَلَاثَةٍ فَهَلْ يَضْمَنُ الثُّلُثَيْنِ وَمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فِيهِ خِلَافٌ. (فَمِنْ ذَلِكَ) إذَا أَوْجَبَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ تَعَيَّبَتْ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِيه وَهَلْ يَعُودُ الْمَعِيبُ إلَى مِلْكِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. (وَمِنْهَا) إذَا عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَدَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ فَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. (وَمِنْهَا) لَوْ عَجَّلَ عَنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعًا ثُمَّ نَتَجَتْ عَشَرَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقُلْنَا لَا يُجْزِئُ التَّبِيعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ خَلْفَ مُقِيمٍ وَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا تَامَّةً. (وَمِنْهَا) إذَا أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِجِمَاعٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ مَوْضِعِ إحْرَامِهِ أَوَّلًا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُحْصِرَ فِي نُسُكِهِ ذَاكَ ثُمَّ قَضَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُحْصَرَ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُهُ. (وَمِنْهَا) إذَا عَيَّنَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ مَا هُوَ أَزْيَدُ صِفَةً مِنْ الْوَاجِبِ ثُمَّ تَلِفَ فَإِنْ كَانَ تَلَفُهُ بِتَفْرِيطِهِ فَعَلَيْهِ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ. حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْمُغْنِي بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَجَبَتْ بِتَعْيِينِهِ وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَسَقَطَتْ كَمَا لَوْ عَيَّنَ هَدْيًا تَطَوُّعًا ثُمَّ تَلِفَ. (وَمِنْهَا) لَوْ نَذْر اعْتِكَافًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْأَيَّامِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لُزُومُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى لِأَنَّ فِي الِاعْتِكَافِ فِي هَذَا الزَّمَنِ فَضِيلَةً لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُجْزِئُ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَلِأَنَّ نَذْرَ اعْتِكَافِهِ يَشْتَمِلُ عَلَى نَذْرِ اعْتِكَافِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَعَيَّنَ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يُسَاوِيهَا وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَشَرَعَ فِي اعْتِكَافِهَا فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فِي الْعَشْرِ مِنْ قَابِلٍ لِأَنَّ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ لَزِمَهُ بِالشُّرُوعِ عَنْ نَذْرِهِ فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ عَلَى صِفَةِ مَا أَفْسَدَهُ.
وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ مِنْهَا: الْمَبِيعُ إذَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّ، وَحُكِيَ فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَمِنْهَا: الْوَقْفُ، يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ وَيَسْتَثْنِيَ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُدَّةِ هُنَا لَا تُؤَثِّرُ فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى جَهَالَةِ مُدَّةِ كُلِّ بَطْنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَمِنْهَا: الْعِتْقُ، وَيَصِحُّ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ وَيَسْتَثْنِيَ نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ سَفِينَةَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَثْنَى خِدْمَتَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ وَيَمْلِكُهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَجَعَلَ الْعِتْقَ عِوَضًا عَنْهُ فَانْعَقَدَ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَمِنْهَا: إذَا كَاتَبَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا نَقَلَ بِالْكِتَابَةِ عَنْ مِلْكِهِ مَنَافِعَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا. وَمِنْهَا: الْوَصِيَّةُ فَيَصِحُّ أَنْ يُوصِيَ بِرَقَبَةِ عَيْنٍ لِشَخْصٍ وَبِنَفْعِهَا لِآخَرَ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ نَفْعِهَا لِلْوَرَثَةِ. وَمِنْهَا: الْهِبَةُ يَصِحُّ أَنْ يَهَبَهُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَبِذَلِكَ أَجَابَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَمِنْهَا: عِوَضُ الصَّدَاقِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا.
فِيهِ وَجْهَانِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي الصِّحَّةُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي، وَيُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا: لَوْ بَاعَهُ أَمَةً حَامِلًا بِحُرٍّ وَقُلْنَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ لَفْظًا فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ بَاعَهُ عَقَارًا تَسْتَحِقُّ فِيهِ السُّكْنَى الزَّوْجَةُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ بِالْحَمْلِ فَهَلْ يَصِحُّ؟ قَالَ فِي الْمُغْنِي لَا، لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ مَجْهُولَةٌ بِخِلَافِ مُدَّةِ الْأَشْهُرِ، وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّين فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْبَيْعِ، وَأَطْلَقَ. وَمِنْهَا: بَيْعُ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ تَصِحُّ وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَ، فَقَدْ يَكُونُ مَأْخَذُهُ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنَافِعِ فِي الْعَقْدِ، وَقِيلَ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ الْيَتِيمَةِ الْمَنَافِعَ وَهِيَ الْآنَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَيُشْبِهُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ، وَلَكِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَوْجَبَ بَيَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَهُ تَدْلِيسٌ وَتَغْرِيرٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِمِقْدَارِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ فَبَانَ تَحْتَهَا دِكَّةٌ فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْخِيَارُ، وَعِلْمُهُ بِهَا يُفْضِي إلَى دُخُولِهِ عَلَى جَهَالَةِ مِقْدَارِ الصُّبْرَةِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى بِلَفْظِهِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً صَحَّ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَتَقَعُ مَنَافِعُ الْبُضْعِ مُسْتَثْنَاةً فِي هَذَا الْعَقْدِ حُكْمًا، وَلَوْ اسْتَثْنَاهَا فِي الْعَقْدِ لَفْظًا لَمْ يَصِحَّ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى شَجَرًا وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ، أَوْ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ، أَوْ دَارًا فِيهَا طَعَامٌ كَثِيرٌ صَحَّ، وَوَقَعَ بَقَاءُ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالطَّعَامِ مُسْتَثْنًى إلَى أَوَانِ تَفْرِيغِهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ اسْتَثْنَى بِلَفْظِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَعَبْدًا مُحْرِمًا صَحَّ وَوَقَعَ مُدَّةَ إحْرَامِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْبَيْعِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، مَعَ أَنَّ مُدَّةَ الْإِحْرَامِ لَا تَنْضَبِطُ لَاسِيَّمَا بِالْعُمْرَةِ قَدْ يَقَعُ الْإِبْطَاءُ فِي السَّيْرِ لِعَائِقٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَسَافَةَ مَعْلُومَةٌ وَأَفْعَالَ النُّسُكِ مَعْلُومَةٌ فَصَارَ كَاسْتِثْنَاءِ ظَهْرِ الدَّابَّةِ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ.
وَلِهَذَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى اسْتِثْنَاءَ الْمَنَافِعِ فِي الْعَقْدِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي قَوْلِهِ: يَسْرِي الْعِتْقُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَسْتَثْنِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ: مِنْهَا: إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ لَمْ تَمْلِكْ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ الَّتِي هِيَ مَوْرِدُ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ تَحْتَ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا كَمُلَتْ تَحْتَ نَاقِصٍ فَزَالَتْ كَفَاءَتُهُ بِذَلِكَ، أَوْ تَعَبُّدًا غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَمَنْ قَالَ بِسِرَايَةِ الْعِتْقِ قَالَ: قَدْ مَلَكَتْ بُضْعَهَا فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا مِلْكٌ فَصَارَ الْخِيَارُ لَهَا فِي الْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ مُفَارِقَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا لِلزَّوْجِ صَحَّ وَلَمْ تَمْلِكْ الْخِيَارَ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ: وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَيُرَدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِمِلْكِهَا بُضْعِهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ انْفِسَاخُ نِكَاحِهَا حَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلزَّوْجِ مِلْكٌ عَلَيْهَا، وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عِتْقُ بَعْضِهَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا عَلَى الْحُرِّ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْبُضْعِ لَا تُنَافِي اسْتِحْقَاقَ مَنْفَعَتِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَالْحُرِّيَّةُ الطَّارِئَةُ بِهِ أَوْلَى. وَمِنْهَا: لَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَنْفَسِخُ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا فِي الْعِتْقِ، وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ ذَلِكَ وَجْهًا لَنَا لَا بِنَاءَ عَلَى السِّرَايَةِ بَلْ عَلَى زَوَالِ وِلَايَةِ السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ بِعِتْقِهِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ أَجَّرَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ مُدَّةً ثُمَّ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ فِي وَجْهٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْوَلِيَّ تَنْقَطِعُ وِلَايَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْ الصَّبِيِّ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، بِخِلَافِ السَّيِّدِ فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ مَنَافِعِهِ بِالشَّرْطِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْحُكْمِيُّ أَقْوَى كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: لَوْ أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهِ صَحَّ وَلَمْ يَسْرِ إلَى الْمَنَافِعِ.
هَاهُنَا صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الَّذِي مَلَكَ بِهِ الْمَنْفَعَةَ عَقْدًا مُؤَبَّدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقَدَ مُعَاوَضَةٍ فَلَا مَعْنَى لِانْفِسَاخِهِ كَالْمُوصَى لَهُ بِمَنَافِعِ الْأَمَةِ إذَا اشْتَرَاهَا فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ لَهُ مِلْكُهَا بِالْعَقْدَيْنِ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مِلْكُهُ لِلْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَمِلْكِ الْوَرَثَةِ لِمَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهَا إذَا اشْتَرَوْهَا مِنْ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَقْدَ مُعَاوَضَةٍ وَهُوَ النِّكَاحُ انْفَسَخَ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ وَمُخْتَلَفٌ فِي مَوْرِدِهِ هَلْ هُوَ الْمَنْفَعَةُ أَوْ الِانْتِفَاعِ؟ وَيَخْتَصُّ بِمَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَيَمْلِكُ بِهِ الِاسْتِمْتَاعَ بِنَفْسِهِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْمِلْكِ الْقَوِيِّ، وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ، بَلْ يَنْدَفِعُ بِهِ وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ يَدْخُلُ مِلْكُهُ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الرَّقَبَةِ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فَكَيْفَ يَتَضَمَّنُ عَقْدُهُ عَلَى الرَّقَبَةِ بِمِلْكِهِ، بَلْ نَقُولُ قَدْ اجْتَمَعَ لَهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا بِجِهَةٍ وَمَلَكَ الْبُضْعَ مِلْكًا بِجِهَةٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ، فَبَطَلَتْ خُصُوصِيَّاتُ الْجِهَةِ الضَّعِيفَةِ كُلُّهَا لِمَصِيرِهِ مَالِكًا لِلْجَمِيعِ مِلْكًا تَامًّا وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ هَذَا الْمِلْكِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ، وَلَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهِ، فَتَعَيَّنَ إلْغَاءُ خُصُوصِيَّاتِ عَقْدِ النِّكَاحِ كُلِّهَا. وَالصُّورَةُ الثَّانِيَة: أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْمَمْلُوكُ بِهِ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ مُؤَبَّدٍ كَالْإِجَارَةِ، فَإِذَا مَلَكَ الْعَيْنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يَنْفَسِخُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ مُؤَجِّرِهَا فَفِي انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ وَرُبَمَا حُكِيَ رِوَايَتَانِ: أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرَّقَبَةَ فَبَطَل مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ. وَالثَّانِي: لَا يَنْفَسِخُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكُهَا أَوَّلًا بِجِهَةِ الْإِجَارَةِ وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ، وَالْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ وَهُوَ الْعَيْنُ الْمَسْلُوبَةُ النَّفْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْعَيْنَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا مِنْ الْوَرَثَةِ وَاسْتَأْجَرَ الْمَنَافِعَ مِنْ مَالِكِهَا فِي عَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَأَيْضًا فَالْمِلْكُ هَاهُنَا أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ وَالْمُعَاوَضَةَ، وَيَمْلِكُ بِهِ عُمُومَ الْمَنَافِعِ، فَلَا تَنْفَسِخُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ لَعَادَتْ الْمَنَافِعُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا إلَى الْمُؤَجَّرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهَا مُدَّةً مُؤَقَّتَةً بِخِلَافِ الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مِلْكًا مُؤَبَّدًا، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الْعَيْنِ وَمَنَافِعَهَا الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ الَّتِي تَلِي الْعَقْدَ وَاَلَّتِي تَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِالْإِجَارَةِ عِنْدَنَا فَالْبَيْع أَوْلَى، أَمَّا إنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلْمَنَافِعِ الْمُؤَبَّدَةِ فَالْإِجَارَةُ بَاقِيَةٌ وَتَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ بِهِبَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ، صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّين فِي مُسَوَّدَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ، فَأَمَّا إنْ وَهَبَ الْعَيْنَ الْمُسْتَعَارَةَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ. وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَوَرِثَهَا فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَيْضًا وَخَرَّجَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ كَشِرَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ يَنْفَسِخُ، وَتَوَجَّهَ بِأَنَّ الْمِلْكَ بِالْإِرْثِ قَهْرِيٌّ يَقْتَضِي تَمَلُّكَ مَا لَا يُتَمَلَّكُ مِثْلُهُ بِالْعُقُودِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِهِ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مِنْ مُسْتَأْجَرِهَا فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْبَنِي هَذَا عَلَى الْمَنَافِعِ الْمُسْتَأْجَرَةِ هَلْ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ قُلْنَا بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَانْتِقَالِهَا إلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ ثُمَّ وَارِثٌ سِوَاهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتِحْقَاقُ بَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ وَارِثٌ سِوَاهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِوَضَ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ لِغَيْرِهِ وَقَدْ مَاتَ مُفْلِسًا بَعْدَ أَنْ أَسْلَفَهُ الْأُجْرَةَ. وَمِنْهَا: لَوْ اشْتَرَى طَلْعًا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي رُءُوسِ نَخْلَةٍ بِشَرْطِ قَطْعِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَصْلَهُ فِي الْحَالِ، فَهَلْ يَتَخَرَّجُ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ فِي الطَّلْعِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْفَعَةِ لِتَبَعِهِ فِي الْبَيْعِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُسْتَقِلَّةٌ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
هَذَا قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهُ إجَارَةً بِوِلَايَةٍ مَحْضَةٍ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا مَحْضًا فَالْكَلَامُ فِي مُوَكِّلِهِ دُونَهُ. وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِالتَّصَرُّفِ فَإِنْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى غَيْرِهِ، لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ الثَّانِي يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ كَمَا يَقُومُ الْمَالِكُ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ زَالَتْ الْوِلَايَةُ عَنْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَصَبِيٍّ يَبْلُغُ بَعْدَ إيجَارِهِ أَوْ إيجَارِ عَقَارِهِ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ، فَفِي الِانْفِسَاخِ وَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ لَهُ تَصَرُّفًا لَازِمًا فَلَا تَنْفَسِخُ بِبُلُوغِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَوْ بَاعَ عَقَارَهُ. وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا لِأَنَّهُ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لِلْوَقْفِ إذَا انْقَرَضَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ لِأَنَّهُ يَنْبَرِمُ فِي الْحَالِ وَتَنْقَطِعُ عَلَقَتُهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ بُلُوغُهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَا النِّكَاحُ يَنْبَرِمُ مِنْ حِينِهِ، الْمَاتَمْرَغِيُّ الْمَهْرُ فِيهِ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَتَقَسَّطُ فِيهَا عَلَى الْمُدَّةِ وَلَا يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِيهَا إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ شَيْئًا بَعْدَ الشَّيْءِ، وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهُ إنْ أَجَّرَهُ مُدَّةً يَعْلَمُ بُلُوغَهُ فِيهَا قَطْعًا لَمْ يَصِحَّ فِي الزَّائِدِ، وَيُخَرَّجُ الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ إجَارَتُهُ بِمِلْكٍ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ بِالْقَهْرِ مَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ، فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ لِمِلْكِهِ الْمَنَافِعَ الْبَاقِيَةَ مِنْهَا، وَدَخَلَ تَحْتَ هَذَا إذَا أَجَّرَ مُسْلِمٌ شَيْئًا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكُفَّارُ، وَإِذَا أَجَّرَ الْحَرْبِيُّ شَيْئًا لِحَرْبِيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، أَمَّا إنْ أَجَّرَ الْحَرْبِيُّ شَيْئًا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَالْإِجَارَةُ بَاقِيَةٌ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكٌ لِمَعْصُومٍ فَلَا تُمْلَكُ. وَثَانِيهَا: أَنْ يَنْتَقِلَ الْمِلْكُ إلَى مَنْ خَلَفَهُ فِي مَالِهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَتَلَقَّى الْمِلْكَ عَنْهُ فَلَا اعْتِرَاضَ لَهُ عَلَى عُقُودِهِ بَلْ هُوَ مُنَفِّذٌ لَهَا وَذَلِكَ كَالْوَارِثِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُتَّهِبِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ وَالزَّوْجَةِ إذَا أَخَذَتْ الْعَيْنَ صَدَاقًا، أَوْ أَخَذَهُ مِنْهَا عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مُزَاحِمًا لِلْأَوَّلِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمُتَلَقِّيًا لِلْمِلْكِ عَمَّنْ تَلَقَّاهُ الْأَوَّلُ، لَكِنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْعَيْنِ إلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ كَالْبَطْنِ الثَّانِي مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ إذَا أَجَّرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ ثُمَّ انْقَرَضَ وَالْإِجَارَةُ قَائِمَةٌ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الثَّانِي لَا حَقَّ لَهُ فِي الْعَيْنِ إلَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَالْوَارِثِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَابْنِهِ أَبِي الْحُسَيْنِ وَحَكَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَة تَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا تَلَقِّيًا عَنْ الْوَاقِفِ بِانْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَلَا حَقَّ لِلْأُولَى فِيهِ بَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُمْ لَا مَنْخَرَيْهِ عَنْ مُوَرِّثِهِمْ إلَّا مَا خَلَّفَهُ فِي مِلْكِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَمْ يَخْلُفْ هَذِهِ الْمَنَافِعَ، وَحَقُّ الْمَالِكِ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْ مِيرَاثِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ آثَارُهُ بَاقِيَةٌ وَلِذَلِكَ تُقْضَى دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْ الشَّرِكَةِ وَهِيَ مِلْكُهُ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَنْ تُقْضَى دُيُونُهُ، فَكَيْفَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَأَيْضًا فَهُوَ كَانَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ عَلَى التَّأْيِيدِ بِوَقْفِ عَقَارِهِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ وَبِمَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهُ أَبَدًا، وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَخَرَّجَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَجْهًا آخَرَ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا سَبَقَ، لَكِنَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ مُقَسَّطَةً عَلَى أَشْهُرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ أَعْوَامِهَا فَهِيَ صَفَقَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَلَا تَبْطُلُ جَمِيعًا بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَسَّطَةً فَهِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَطَّرِدُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا فَرَضَهُ فِيمَا إذَا أَجَّرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لِكَوْنِ النَّظَرِ لَهُ مَشْرُوطًا وَهَذَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ، أَعْنِي: إذَا أَجَّرَ بِمُقْتَضَى النَّظَرِ الْمَشْرُوطِ لَهُ هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ الْإِجَارَاتُ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَلْحَقهُ بِالنَّاظِرِ الْعَامِّ فِي ذَلِكَ، وَهَكَذَا حُكْمُ الْمُقْطِعِ إذَا أَجَّرَ أَقْطَاعَهُ ثُمَّ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِإِقْطَاعِ أَحَدٍ. وَرَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ مُزَاحِمًا لِلْأَوَّلِ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّلَقِّي عَمَّنْ تَلَقَّى عَنْهُ الْأَوَّلُ بِسَبْقِ حَقِّهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ إذَا أَجَّرَ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ بِالْإِجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ انْتَزَعَهُ الشَّفِيعُ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُقْنِعِ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، لِأَنَّ مِلْكَ الْمُؤَجِّرِ ثَابِتٌ، وَيَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الْأُجْرَةَ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ انْتِزَاعَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا رَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ هَا هُنَا، كَمَا نَقُولُ فِي الْوَقْفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي وَلَمْ تَنْفَسِخْ إجَارَتُهُ إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْأُجْرَةَ مِنْ يَوْمِ الِانْتِقَالِ، وَكَذَلِكَ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِي يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مِنْ حِينِ الْبَيْعِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلْبَائِعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْبَائِعَ يَمْلِكُ عِوَضَهَا وَهُوَ الْأُجْرَةُ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ بَعْدُ، وَلَوْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَرَجَعَتْ الْمَنَافِعُ إلَيْهِ، فَإِذَا بَاعَ الْعَيْنَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَنَافِعُ وَلَا عِوَضُهَا مُسْتَحَقًّا لَهُ لِشُمُولِ الْبَيْعِ لِلْعَيْنِ وَمَنَافِعِهَا، فَيَقُومُ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ فِيمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهَا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ عِوَضَ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ، وَفِي رُجُوعِهَا إلَيْهِ مَعَ الِانْفِسَاخ، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِثَالُ نَصِّ أَحْمَدَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ رُجُوعِ الْمَنَافِعِ إلَى الْبَائِعِ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِأَخْذِهِ، وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لِمَا قُلْنَا مِنْ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ، فَيَمْلِكُ انْتِزَاعَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَفَارَقَ إجَارَةَ الْوَقْفِ عَلَى وَجْهٍ، لِأَنَّ الْبَطْن الثَّانِي لَا حَقَّ لَهُمْ قَبْلَ انْقِرَاضِ الْأَوَّلِ، وَهُنَا حَقُّ الشَّفِيعِ ثَابِتٌ قَبْلَ إيجَارِ الْمُشْتَرِي فَيَنْفَسِخُ بِأَخْذِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ، وَلِهَذَا قُلْنَا عَلَى رِوَايَةٍ إنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مُرَاعَى، فَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ بَطَل، وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ لَوَجَبَ ضَمَانُ الْمَنَافِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِالْمُسَمَّى لِأَنَّهُ ضَمَانُ حَيْلُولَةٍ، كَمَا قُلْنَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْتَأْجَرَ لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَةِ مَنَافِعِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الشَّفِيعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ أَوْ يَتْرُكَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعَارَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ أَوْ بَعْضَهَا كَانَ الشَّفِيعُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْأَخْذِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ لِيَأْخُذَ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَخَامِسُهَا: أَنْ يَنْفَسِخَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَيَعُودَ إلَى مَنْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْهُ، فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ لَهُ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ. وَصَرَّحَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ لَوْ أَنْكَحَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ، بِنَاءً أَنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ فِي خِلَافَيْهِمَا: الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَالْفَسْخُ بِالْخِيَارِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ اللُّزُومَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ بِخِلَافِ الْعَيْبِ.
وَتَنْدَرِجُ تَحْتَهَا صُوَرٌ: مِنْهَا: إذَا رَهَنَهُ شَيْئًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَهَلْ يَصِيرُ عَارِيَّةً حَالَةَ الِانْتِفَاعِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ: يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالِانْتِفَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ الْعَارِيَّةِ، وَأَوْرَدَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ فِي وَقْتِ ضَمَانِهِ احْتِمَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِدُونِ الِانْتِفَاعِ. وَالثَّانِي: يَصِيرُ مَضْمُونًا بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ، لِأَنَّهُ صَارَ مُمْسِكًا لِلْعَيْنِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ، وَهَلْ يَزُولُ لُزُومُهُ أَمْ لَا؟ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ إعَارَةَ الرَّاهِنِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ هَلْ يُزِيلُ لُزُومَ الرَّهْنِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ طَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِيَة: إنْ أَعَارَهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَزُلْ اللُّزُومُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُغْنِي. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِحَالٍ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي خِلَافِهِ: شَرْطُ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ بَاطِلٌ وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ. وَمِنْهَا: إذَا أَوْدَعَهُ شَيْئًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي نَظَرِيَّاتِهِ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: يَصِيرُ مَضْمُونًا حَالَةَ الِانْتِفَاعِ لِمَصِيرِهِ عَارِيَّةً حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا يَضْمَنُ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا بَلْ لِمَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ مَالِكِهِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ. وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا أَيْضًا كَالرَّهْنِ، وَفَرَّقَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا اخْتِلَافَ هَاهُنَا بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ فِي الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّةَ الِانْتِفَاعِ مُؤَقَّتَةً فَيُخَرَّجُ فِيهَا وَجْهٌ بِاللُّزُومِ مِنْ رِوَايَةِ لُزُومِ الْعَارِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ. وَمِنْهَا: إذَا أَعَارَهُ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ وَأَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ: هُوَ لَازِمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمَالِكِ، لَكِنْ لِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةُ كَالْأَشْنَانِ، فَإِذَا انْفَكَّ زَالَ اللُّزُومُ فَيَرْجِعُ فِيهِ الْمِلْكُ، وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَازِمًا فَلَا يَمْلِكُ الْمَالِكُ الْمُطَالَبَةَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَتَكُونُ الْعَارِيَّةُ هُنَا لَازِمَةً لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَحُصُولِ الضَّرَرِ بِالرُّجُوعِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ كَبِنَاءِ حَائِطٍ وَوَضْعِ خَشَبٍ وَشَبَهِهِمَا انْتَهَى. وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّاب فِي انْتِصَارِهِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِ انْتِزَاعُهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ. وَمِنْهَا: لَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا ثُمَّ رَهَنَهُ عِنْدَهُ. فَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي الشَّرْحِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّتُهُ وَيَسْقُطُ ضَمَانُ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً، وَعَقْدُ هَذِهِ الْأَمَانَةِ لَازِمٌ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي وُرُودِ عَقْدِ الْإِعَارَةِ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا سَبَقَ، وَيَتَخَرَّجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي تِلْكَ. وَمِنْهَا: وُرُودُ عَقْدِ الرَّهْنِ عَلَى الْغَصْبِ، فَيَصِحُّ عِنْدَنَا، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَيَبْرَأُ بِهِ الْغَاصِبُ، وَكَذَا لَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهَا هَلْ يَبْرَأُ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ هُوَ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ الْمُضَارَبَةَ إذَا جَعَلَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ مَعَ الْغَاصِبِ مُضَارَبَةً صَحَّ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِهِ إلَى أَنْ يَدْفَعَهُ ثَمَنًا فِيمَا يَشْتَرِي بِهِ فَيَبْرَأُ حِينَئِذٍ مِنْ الضَّمَانِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ يَبْرَأُ فِي الْحَالِ. وَمِنْهَا: رَهْنُ الْمَبِيعِ الْمَضْمُونِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى ثَمَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا قِيلَ بِصِحَّتِهِ يَزُولُ بِهِ الضَّمَانُ عَلَى قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ ارْتِهَانٍ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ جِئْتُك بِحَقِّك إلَى وَقْتِ كَذَا وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَك بِالدَّيْنِ وَقَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، ثُمَّ يَصِيرُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ صَارَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، بِاللَّآلِي عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَفْسُدُ فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَاتَبَ الْمُدَبَّرُ أَوْ دَبَّرَ الْمُكَاتَبُ صَحَّ نَصَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُؤَدِّ الْعَبْدُ مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْئًا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَلْ يَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ كَمَا لَوْ عَتَقَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَهُوَ مُكَاتَبٌ أَوْ لِلْوَرَثَةِ كَعِتْقِهِ بِالتَّدْبِيرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَهَكَذَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ التَّدْبِيرِ بِالْكِتَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَيَبْطُلُ بِالْكِتَابَةِ.
وَفِيهِ خِلَافٌ، يَلْتَفِتُ إلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ هَلْ هُوَ اللَّفْظُ أَوْ الْمَعْنَى، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا: لَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا وَشَرَطِ عَلَيْهِ الْعِوَضَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ وَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ الْقَرْضِ فَيَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ إذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّاب فِي انْتِصَارِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ رُءُوسِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا شَرْطُ الْعِوَضِ فِي الْعَارِيَّةِ كَمَا يَصِحُّ شَرْطُ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، وَلَا تَفْسُدُ بِذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَرَّرَ أَنَّ الْهِبَةَ الْمَشْرُوطُ فِيهَا الْعِوَضُ لَيْسَتْ بَيْعًا، وَإِنَّمَا الْهِبَةُ تَارَةً تَكُونُ تَبَرُّعًا وَتَارَةً تَكُونُ بِعِوَضٍ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَلَا يَخْرُجَانِ مِنْ مَوْضِعِهَا، فَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ، وَهَذَا مَأْخَذٌ آخَرُ لِلصِّحَّةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَفْسُدُ بِذَلِكَ وَجَعَلَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَذْهَبَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، وَفِي التَّلْخِيصِ إذَا أَعَارَهُ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يُعِيرَهُ الْآخَرُ فَرَسَهُ فَهِيَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَهَذَا رُجُوعٌ إلَى أَنَّهَا كِنَايَةٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ، وَالْفَسَادُ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِاشْتِرَاطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ آخَرَ وَإِمَّا لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمَنْفَعَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ خَرَّجَهُ الْحَارِثِيُّ وَقَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَعَرْتُك عَبْدِي لِتُمَوِّنَهُ أَوْ دَابَّتِي لِتَعْلِفَهَا، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مُؤْنَةِ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَلْوَانِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ بِأَنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَك أَوْ لِي فَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: هِيَ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ يَسْتَحِقُّ فِيهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي لَكِنَّهُ قَالَ إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَة: لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَرَضِيَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُسَاقَاةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّهُ إبْضَاعٌ صَحِيحٌ فَرَاعَى الْحُكْمَ دُونَ اللَّفْظِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَرْضًا. وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَكِيلَ أَوْ الْمَوْزُونَ أَوْ النُّقُودَ أَوْ الْفُلُوسَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَسْتَأْجِرُهَا لَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ فِي الْإِجَارَاتِ: يَصْلُحُ وَيَكُونُ قَرْضًا وَلَنَا وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَمِنْهَا: لَوْ أَجَّرَهُ الْأَرْضَ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ الْقَاضِي هِيَ إجَارَةٌ عَلَى حَدِّ الْمُزَارَعَةِ تَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَحُكْمُهَا حُكْمُهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: هِيَ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَتَصِحُّ عَلَى قَوْلِنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا: لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ حَالًا فَهَلْ يَصِحُّ وَيَكُونُ بَيْعًا أَوْ لَا يَصِحُّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيّ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِلَفْظِ السَّلَمِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ، قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ خِلَافِهِ. وَمِنْهَا: إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ وَقُلْنَا الْحَرَامُ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ فَهَلْ يَلْغُو تَفْسِيرُهُ وَيَكُونُ ظِهَارًا أَوْ يَصِحُّ وَيَكُونُ طَلَاقًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ لَهُ فِي دَيْن السَّلَمِ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى مِثْلِ الثَّمَنِ، قَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ وَيَكُونُ إقَالَةً، وَقَالَ هُوَ وَابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ نَفْسُ حَقِّهِ فَيُخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ الْتِفَاتًا إلَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.
فَقَالَ الْقَاضِي: فِي مَوَاضِعَ: لَا كِنَايَةَ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَسَائِرُ الْعُقُودِ لَا كِنَايَةَ فِيهَا، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ نَحْوَهُ، وَزَادَ: وَلَا يَحِلُّ الْعُقُودُ بِالْكِنَايَاتِ غَيْرَ النِّكَاحِ وَالرِّقِّ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ: تَدْخُلُ الْكِنَايَاتُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ سِوَى النِّكَاحِ لِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَهِيَ لَا تَقَعُ عَلَى النِّيَّةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَيْضًا، وَكَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهَلْ الْمُعَاطَاةُ الَّتِي يَنْعَقِدُ بِهَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَنَحْوُهُمَا الْكِنَايَاتُ وَكَذَلِكَ كِنَايَاتُ الْوَقْفِ تَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْبَاطِنِ صَرَّحَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي قَبْلَهَا كَثِيرٌ مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ أَجَّرَهُ عَيْنًا بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: إنْ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَى الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَالْوَجْهَانِ فِي إضَافَتِهَا إلَى الْمَنْفَعَةِ. وَمِنْهَا: الرَّجْعَةُ بِالْكِنَايَاتِ إنْ اشْتَرَطْنَا الْإِشْهَادَ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُ. وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقْتُك وَجَعَلْت عِتْقَك صَدَاقَك فَجَعَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ كِنَايَةً وَلَمْ يُعْقَدْ بِهِ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ: وَتَزَوَّجْتُك. وَقَالَ الْقَاضِي وَهُوَ صَرِيحٌ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الصَّدَاقِ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ قَدْ يَكُونُ مَجَازًا إذَا اُشْتُهِرَ وَتَبَادَرَ فَهْمُهُ وَلَوْ مَعَ الْقَرِينَةِ، وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ نَصًّا، وَكَلَامُ أَحْمَدَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ قَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: إذَا قَالَ: أَجْعَلُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ، أَوْ قَالَ: صَدَاقُكِ عِتْقُك، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَنِيَّتُهُ تُصَرِّحُ بِاعْتِبَارِ النِّيَّةِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ جِدًّا، وَكَذَلِكَ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ أَزَوَّجْت وَلِيَّتَك؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَالَ: لِلْمُتَزَوِّجِ: أَقَبِلْت؟ قَالَ نَعَمْ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِهِ، وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، وَنَعَمْ هَاهُنَا كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ نَعَمْ زَوَّجْتُ وَنَعَمْ قَبِلْتُ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ إنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْإِعْلَامِ بِحُصُولِ الْإِنْشَاءِ، فَالْإِنْشَاءُ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهَا مِنْ أَلْفَاظِ صَرِيحِ الْإِنْشَاءِ شَيْءٌ فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنْ لَفْظِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ.
أَحَدُهُمَا: مَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِمِلْكٍ وَاحِدٍ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ سَقَطَ الْحُكْمُ وَصُوَرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا: الْإِجَارَةُ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَيْئًا مُدَّةً فَزَالَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ بِتَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ ثُمَّ عَادَ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ لَمْ تَعُدْ الْإِجَارَةُ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَأْجِرِ زَالَ عَنْ الْمَنَافِعِ وَثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَالِكِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فَتَعُودُ الْعَيْنُ بِمَنَافِعِهَا مِلْكًا لِلْمُؤَجِّرِ، أَمَّا إنْ لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا فَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُهَا فِي قَاعِدَةِ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَاسْتَقَرَّ حَقُّهُ فِي الْبَدَلِ ثُمَّ وَجَدَ الْأَصْلَ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ هُنَا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنَافِعِ لِأَنَّ حَقَّهُ سَقَطَ مِنْهُ وَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهَا. وَمِنْهَا: الْإِعَارَةُ فَلَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا ثُمَّ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ تَعُدْ الْإِعَارَةُ. وَمِنْهَا: الْوَصِيَّةُ تَبْطُلُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَلَا تَعُودُ بِعَوْدِهِ. النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْسِ الْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَعَلُّقًا لَازِمًا يَخْتَصُّ تَعَلُّقُهُ بِمِلْكٍ دُونَ مِلْكٍ وَلَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا: الرَّهْنُ، فَإِذَا رَهَنَ عَيْنًا رَهْنًا لَازِمًا ثُمَّ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَ فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَازِمَةٌ لِلْعَيْنِ فَلَا تَنْفَكُّ بِتَبَدُّلِ الْأَمْلَاكِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَرْشَ لَازِمٌ لِرَقَبَةِ الْجَانِي بِدُونِ الْقَبْضِ، وَالرَّهْنُ لَا يَلْزَمُ أَوْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ صُوَرًا يَعُودُ فِيهَا الرَّهْنُ بِعَوْدِ الْمِلْكِ: مِنْهَا: لَوْ سَبَى الْكُفَّارُ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ ثُمَّ اُسْتُنْقِذَ مِنْهُمْ عَادَ رَهْنًا بِحَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَمِنْهَا: لَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ الْمُرْتَهَنُ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَإِنَّهُ يَعُودُ رَهْنًا كَمَا كَانَ. وَكَذَلِكَ يَعُودُ الرَّهْنُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الرَّاهِنِ بَاقِيًا عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ. وَمِنْهَا: لَوْ صَالَحَهُ مِنْ دَيْنِ الرَّهْنِ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الصُّلْحُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَزَالَ الرَّهْنُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ وَعَادَ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ. وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ: إنْ عَادَ الرَّهْنُ إلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ الرَّهْنُ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَادَ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَفِي كَلَامِ أَحْمَدَ نَحْوُهُ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّهُ بَطَلَ لُزُومُهُ لِأَنَّهُ لَوْ بَطَلَ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَعُدْ بِدُونِ عَقْدٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِمَسْأَلَةِ الصُّلْحِ، وَقَدْ وَافَقَا عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بَعْدَ لُزُومِهِ بِدُونِ رِضَى الْمُرْتَهِنِ. وَمِنْ صُوَرِ هَذَا النَّوْعِ: الْمُكَاتَبُ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ ثَابِتٌ فِي الرَّقَبَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ. وَمِنْهَا: الْأُضْحِيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي رَقَبَتِهَا لَا يَزُولُ بِدُونِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ فَإِذَا تَعَيَّبَتْ خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا أُضْحِيَّةً، فَإِذَا زَالَ الْعَيْبُ عَادَتْ أُضْحِيَّةً كَمَا كَانَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي عُمَدِهِ. وَمِنْهَا: التَّدْبِيرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَمِنْهَا رُجُوعُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ زَالَ مِلْكُ الزَّوْجَةِ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ أَوْ لَمْ يَزُلْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهِ. وَمِنْهَا: عُرُوضُ التِّجَارَةِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَتْ فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِذَلِكَ كَمَا إذَا تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ ثُمَّ تَخَلَّلَ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا صِفَةُ الطَّلَاقِ، تَعُودُ بِعَوْدِ النِّكَاحِ، وَسَوَاءٌ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ الْبَيْنُونَةِ أَوْ لَمْ تُوجَدْ، عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ. وَمِنْهَا: صِفَةُ الْعِتْقِ تَعُودُ بِعَوْدِ مِلْكِ الرَّقِيقِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَى لَا تَعُودُ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، بِأَنَّ مِلْكَ الرَّقِيقِ لَا يُبْنَى فِيهِ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُبْنَى فِيهِ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِي عِدَدِ الطَّلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ لَا أَثَرَ لَهُ؛ إذْ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَمْ يُشْتَرَطْ لِعَدَمِ الْحِنْثِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ. وَمِنْهَا: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ لَا يَمْتَنِعُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ إذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا، وَهَاهُنَا مُخْتَلَفٌ فِي إلْحَاقِهَا بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ: فَمِنْهَا رُجُوعُ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ إذَا أَخْرَجَهُ الِابْنُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ أَمْ لَا؟ وَمِنْهَا رُجُوعُ غَرِيمِ الْمُفْلِسِ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا وَكَانَ الْمُفْلِسُ قَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ، وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْمُتَلَقَّى عَنْهُمَا. وَالثَّانِي: غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ عَنْهُمَا فَلَا يَسْتَحِقَّانِ فِيهِ رُجُوعًا. وَالثَّالِثُ: لَهُمَا الرُّجُوعُ نَظَرًا إلَى أَنَّ حَقَّهُمَا ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. وَالرَّابِعُ: إنْ عَادَ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ سَقَطَ حَقُّهُمَا، وَإِنْ عَادَ بِفَسْخِ الْعَقْدِ فَلَهُمَا الرُّجُوعُ، لِأَنَّ الْمِلْكَ الْعَائِدَ بِالْفَسْخِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْفَسْخَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ الْحَادِثِ فَيَعُودُ الْمِلْكُ كَمَا كَانَ. وَمِنْهَا: الْفِرَاشُ، فَإِذَا وَطِئَ أَمَةً ثُمَّ بَاعَهَا وَوَطِئَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ، ثُمَّ عَادَتْ الْأُولَى إلَى مِلْكِهِ فَهَلْ يَعُودُ الْفِرَاشُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَعُودُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا. وَالثَّانِي: لَهُ اسْتِدَامَةُ اسْتِفْرَاشِ الثَّانِيَة وَيَجْتَنِبُ الرَّاجِعَةَ لِزَوَالِ الْفِرَاشِ فِيهَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ.
فِيهِ خِلَافٌ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا: لَوْ أَتْلَفَ الرَّهْنَ مُتْلِفٌ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تَكُونُ رَهْنًا بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ وَفَرَّعَ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَيْعِ الْمُتْلَفِ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَدَلِ الْمَأْخُوذِ بِغَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ وَخَالَفَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ فِي مَسْأَلَةِ إبْدَالِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ رَهْنًا إلَّا بِجُعْلِ الرَّاهِنِ. وَمِنْهَا: الْوَقْفُ إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ فَاشْتُرِيَ بِهَا بَدَلُهُ فَهَلْ يَصِيرُ وَقْفًا بِدُونِ إنْشَاءِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ مِنْ النَّاظِرِ حَكَى بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: إذَا أَتْلَفَ الْأُضْحِيَّةَ مُتْلِفٌ وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ أَوْ بَاعَهَا مَنْ أَوْجَبَهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ مِثْلَهَا فَهَلْ تَصِيرُ مُتَعَيَّنَةً بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ يَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: الْمُوصَى لَهُ بِعَيْنٍ إذَا أَتْلَفَهَا مُتْلِفٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ فَحَقُّهُ بَاقٍ فِي بَدَلِهَا.
فَأَمَّا الدَّيْنُ فَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ بِدُونِ مُطَالَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ إذَا كَانَ آدَمِيًّا حَتَّى ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي جَوَازِ السَّفَرِ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ وَجْهَيْنِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ قَرَاخَانِيٍّ لَهُ وَقْتًا لِلْوَفَاءِ فَأَمَّا إنْ عَيَّنَ وَقْتًا كَيَوْمِ كَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَوَّزَ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّوْقِيتِ إلَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ فِيهِ بِدُونِ مُطَالَبَةٍ، فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْوَفَاءِ فِيهِ أَوَّلًا كَالْمُطَالَبَةِ بِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الدَّيْنُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ لِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ بِأَدَائِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالنُّذُورُ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْبَارِ الْمُظَاهِرِ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا: الْأَمَانَاتُ الَّتِي حَصَلَتْ فِي يَدِ الْمُؤْتَمَنِ بِرِضَى صَاحِبِهَا فَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْوَدِيعَةُ وَكَذَلِكَ أَمْوَالُ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوِكَالَةِ مَعَ بَقَاءِ عُقُودِهَا. وَمِنْهَا: الْأَمَانَاتُ الْحَاصِلَةُ فِي يَدِهِ بِدُونِ رِضَى أَصْحَابِهَا فَيَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى رَدِّهَا مَعَ الْعِلْمِ بِمُسْتَحَقِّهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ اللُّقَطَةُ إذَا عُلِمَ صَاحِبُهَا الْوَدِيعَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالرَّهْنُ وَنَحْوُهَا إذَا مَاتَ الْمُؤْتَمَنُ وَانْتَقَلَتْ إلَى وَارِثِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِمْسَاكُ بِدُونِ إذْنٍ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِهِ وَكَذَا لَوْ أَطَارَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِمْسَاكُ مَعَ الْعِلْمِ بِصَاحِبِهِ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا هَاهُنَا: الْوَاجِبُ الرَّدُّ وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا الرَّدُّ أَوْ الْإِعْلَامُ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ مُرَادُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ التَّمْكِينُ مِنْ الْأَخِذِ، ثُمَّ إنَّ الثَّوْبَ هَلْ يَحْصُلُ فِي يَدِهِ بِسُقُوطِهِ فِي دَارِهِ مِنْ غَيْرِ إمْسَاكٍ لَهُ أَمْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْصُلُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ وَخَالَفَ ابْنَ عَقِيلٍ وَالْخِلَافُ هُنَا مُنَزَّلٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا حَصَلَ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ هَلْ يَمْلِكُهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَمَانَاتِ إذَا فَسْخَهَا الْمَالِكُ كَالْوَدِيعَةِ وَالْوِكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَسْخُ فِي حَضْرَةِ الْأَمِينِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الرَّدِّ فَإِنَّ الْعِلْمَ هُنَا حَاصِلٌ لِلْمَالِكِ وَكَذَلِكَ جَعْلُ ضَمَانِ الزَّكَاةِ مَبْنِيًّا عَلَى حُصُولِهَا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ رِضَى الْمُسْتَحِقِّ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْبَدَاءَةَ بِالدَّفْعِ وَقَاسَهَا عَلَى اللَّفْظَةِ وَنَحْوِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الدَّفْعِ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ عِنْدَهُ وَاجِبٌ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الرَّهْنُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِعْلُ الرَّدِّ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ فِي الرَّهْنِ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْمَمْلُوكَةُ بِالْعُقُودِ قَبْلَ وَمُزْدَلِفَةَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِإِبْقَائِهَا فِي يَدِ الْآخَرَ فَيَجِبُ التَّمْكِينُ مِنْ الْأَخْذِ ابْتِدَاءً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى الثَّمَنِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ وَقَاسَهُ عَلَى مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا، وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الثَّوْبَ لَا يَقِفُ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُطَالَبَةِ لَكِنَّ مُرَادَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ يَكْفِي فَمَتَى كَانَ الْمَالِكُ عَالِمًا وَلَمْ يَطْلُبْ فَلَا ضَمَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤْنَةُ الرَّدِّ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ هُوَ عِنْدَهُ وَهَذَا أَحْسَنُ. وَمِنْهَا: الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّدِّ بِكُلِّ حَالٍ وَسَوَاءٌ كَانَ حُصُولُهَا فِي يَدِهِ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ مَحْظُورٍ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَالْأَوَّلُ كَالْعَوَارِيِّ يَجِبُ رَدُّهَا إذَا اسْتَوْفَى مِنْهَا الْغَرَضَ الْمُسْتَعَارَ لَهُ؛ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَهَذَا إذَا انْتَهَى قَدْرُ الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مُتَوَجَّهٌ وَسَوَاءٌ طَالَبَ الْمَالِكُ أَوْ لَمْ يَطْلُبْ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَضْمُونَاتِ فَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْمَغْصُوبِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمَقْبُوضِ مَخَافَتَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَبِيعُ الْمَضْمُونُ عَلَى بَائِعِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى تَمْيِيزِهِ وَتَمْكِينِ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضِهِ لِأَنَّ نَقْلَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، وَالثَّانِي كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَنَحْوِهِمَا، وَالثَّالِثُ كَالزَّكَاةِ إذَا قُلْنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الدَّفْعِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَضْمُونَاتِ عِنْدَنَا وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ إذَا حُرِّمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ.
|